ثلاثة وثلاثون ألف شخص هتفوا بصوت واحد تحية لأسطورة في عالم المستديرة الساحرة حالما دخلت إلى ملعب سانت جيمس بارك لحضور مباراة تم تخصيص ريعها لمؤسسة خيرية أسستها هذه الشخصية الإستثنائية. كان السير بوبي روبسون يبلغ السادسة والسبعين من العمر ويتحرك بواسطة كرسي متحرك خائر القوى والإعياء باد بوضوح على مُحياهوهو الذي كان يخسر بسرعة معركته الخامسة مع مرض السرطان.
ولكن هذا الشخص الإستثنائي بكل المقاييس وفي إثبات حقيقي منه على ما اعترف بأنه "إدمان على كرة القدم" وفي مبادرة رائعة منه لصالح الأعمال الخيرية، كان حاضراً لمشاهدة إعادة شاعرية لمباراة نصف نهائي كأس العالم إيطاليا 1990 FIFA. في النسخة الأصلية من المباراة التي استضافتها مدينة تورين تمكن المنتخب الألماني وبفضل ركلات الترجيح من إيقاع الهزيمة بالمنتخب الإنجليزي الذي كان يقوده روبسون آنذاك.
وفي النسخة الثانية من المباراة التي استضافتها مدينة نيوكاسل في السادس والعشرين من يوليو/تموز الماضي تمكن المنتخب الإنجليزي الذي كان يضمّ في صفوفه نجوماً من أمثال بول جاسكوين وبيتر بيردسلي وآلان شيرر من تحقيق الإنتصار بنتيجة 3-2 على الفريق الألماني الزاخر بأسماء لامعة في عالم كرة القدم من أمثال جويدو بوتشوالد وتوماس هلمر ولوثار ماثيوس.
كان هذا الإنتصار بمثابة تحية وداع أخيرة لرجل كان له بصمة لن يمحوها التاريخ مع ناديي فولهام وويست بروميتش ألبيون ومنتخب إنجلترا كصانع ألعاب ماهر خفيف الظل، ومع نوادي إيبسويتش تاون وآيندهوفن وبرشلونة ونيوكاسل يونايتد ومنتخب بلاده الوطني كمدرب شغوفٌ بالكرة وخبير بخباياها. وبعد هذا الإنتصار الرمزي بخمسة أيام فقط، لفظ السير بوبي روبسون أنفاسه الأخيرة.
من جانبه، قال مدرب نادي مانشستر يونايتد السير أليكس فيرجيسون عن روبسون الذي تم في ديسمبر/كانون الأول تكريمه بجائزة اللعب النظيف FIFA بعد رحيله "كان شرفاً عظيماً لي أن التقيت به ولقد أشعل هذا الأسطورة في نفسي جذوة الحماسة لكرة القدم. لطالما كان له أثر كبير عليّ، ولكن ما يجعل روبسون مميزاً حقاً في نظري هو ذلك التأثير الذي يملكه على الأشخاص الذين لا يعرفونه شخصياً. فهم يحترمون بسالته ونُبله وحماسته."
ورحل عنا في هذه السنة أيضاً خصم سابق وشهير لروبسون. إنه لاعب خط الوسط المتعدد المواهب كارل كولر الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أحد أفضل اللاعبين في تاريخ الكرة النمساوية. وقد واجه كولر زميله روبسون وتمكّن من تسجيل هدف في المباراة التي جمعت منتخبي هذين النجمين في كأس العالم السويد 1958 FIFA وانتهت بتعادل بهدفين لمثلهما. وقد أجهز داء الزهايمر في يناير/كانون الثاني على هذا اللاعب المخضرم الذي أمضى مشواره الكروي برمته مع نادي فيرست فيينا، وذلك قبل 15 يوماً من احتفاله بعيد ميلاده الثمانين.
وربط لاعبون آخرون حياتهم الكروية بأسرها مع ناد واحد وفقدناهم عام 2009. ومن هؤلاء لاعب خط الوسط والمهاجم جاكومو بولجاريلي الذي قيل له في مطلع شبابه أن سرعته أبطأ من أن تمكّنه من احتراف كرة القدم، ولكنه أثبت للجميع أن ذلك لم يكن صحيحاً حيث خاض 486 مباراة مع ناديه الأول والأخير بولونيا الذي استطاع بفضله أن يتربع على عرش الدوري الإيطالي الممتاز عام 1964. كما جعلته مهاراته الفنية الفذة يرتدي قميص المنتخب الوطني في 27 مباراة وتوفي بولجاريلي بعد معاناة طويلة مع المرض.
وكذلك غيّب الموت في العام المنصرم كلاً من راي لامبرت (87 عاماً)، جوب فيل و جوني ديكسون (كلاهما 85 عاماً)، وآجي رو جنسن (84 عاماً)، وفلاديمير فيدوتوف (66 عاماً) الذين لعبوا حصرياً مع أندية ليفربول وهارلم وأستون فيلا وإيه جي إف وسيسكا موسكو على التوالي.
وقد كان لوفاة لاعب آخر لم ينتقل من ناديه طيلة مسيرته أثرُ الصاعقة على عالم كرة القدم. ففي بداية شهر أغسطس/آب كان يبدو أن بانتظار داني خاركي موسم حافل ومستقبل باهر. فقد كان لا يزال في السادسة والعشرين من عمره وكان قد أصبح للتو كابتن نادي إسبانيول وتناقلت جميع الأوساط الكروية اسمه كمرشح لارتداء قميص المنتخب الوطني بينما كانت صديقته حاملاً بابنهما بشهرها السابع. ولكن شاءت الأقدار أن يتعرض هذا المدافع الواعد إلى نوبة قلبية قاتلة خلال جولة في إيطاليا مع ناديه سبقت انطلاق الموسم الكروي.
وقد قال رامون مويا المدرب السابق لنادي إسبانيول الذي كان وراء إدخال خاركي إلى عالم الإحتراف الكروي "أشعر وكأنني فقدتُ أحد أبنائي. كان خاركي لاعباً وشخصاً وقائداً كروياً فذاً وقد كان بمثابة صديق لي أيضاً."
ولم يكن خاركي اللاعب الوحيد الذي تلقاه المنيّة عام 2009 وهو في خضم مشواره الكروي. فقد وافت المنية كليمو بينو مدافع نادي كليرمون فوت عن ثلاثة وعشرين عاماً بعد تعرضه لأزمة قلبية. وتكررت الفاجعة نفسها مع المهاجم المكسيكي أنطونيو دي نيجريس (31 عاماً) الذي لعب مع 12 نادياً في ست قارات. أما جان سيللو (32 عاماً) لاعب الظهير الأيمن الجنوب أفريقي وهيرنان قرطبة مهاجم منتخب كولومبيا تحت 20 سنة، فقد قضيا نحبهما في حوادث سير مميتة.
وقد خسرنا هذا العام أيضاً كلاً من كريستوفر جون باندا (35 سنة) بعد أن انهار في إحدى المباريات وهو لاعب خط الوسط الذي خاض 70 مباراة ضمن تشكيلة منتخب مالاوي. أما اللاعب الجامايكي الدولي أوراين سيمبسون فقد طُعن حتى الموت وهو لا يزال في ربيعه السادس والعشرين. وبالنسبة للمهاجم الإماراتي سالم سعد (31 عاماً)، فقد وافته المنية أيضاً هذا العام بعد أزمة قلبية تعرض لها. ولم يشأ عام 2009 أن ينقضي إلا بصدمة كبيرة نتجت عن الإنتحار المأساوي للحارس الألماني الشهير روبرت إنكه (32 سنة).
وفقدت أمريكا الجنوبية من جهتها أيضاً عدداً من الأسماء الشهيرة في عالم كرة القدم. فقد غيّب الموت خوان كارلوس مونيز، لاعب الجناح السريع وصاحب المهارات الفنية الرائعة الذي كان رأس حربة في نادي ريفر بليت العريق والذي ساهم في جعل الأرجنتين تتربع على عرش كأس أمريكا الجنوبية عام 1945، وقد وافته المنية نتيجة أزمة قلبية عن عمر يناهز التسعين عاماً. أما فرياسا أسطورة نادي فاسكو، والذي اشتهر بتسجيله الهدف الأول في شباك أوروجواي ضمن المباراة النهائية من كأس العالم FIFA 1950 فقد رحل عنّا عن 84 سنة نتيجة فشل أحد أعضائه، الأمر الذي تسبب أيضاً في وفاة زيكوينها الذي أبهر جماهير نادي بالميراس خلال ستينات القرن الماضي، وكان ضمن تشكيلة المنتخب البرازيلي الذي تربّع على عرش كأس العالم تشيلي 1962 FIFA.
ورحل عنا أيضاً جوفينال زميل فرياسا والذي كان على أرض الملعب في تلك الأمسية الحزينة لجماهير السيليساو عام 1950 والتي فشل فيها المنتخب البرازيلي في خطف اللقب كأس العالم FIFA من أوروجواي. وتوفي جوفينال عن عمر يناهز الخامسة والثمانين عاماً نتيجة فشل جهازه التنفسي بينما أحكم سرطان المعدة قبضته على حارس منتخب البرازيل السابق زي كارلوس وهو في السابعة والأربعين من عمره. وتوفي كذلك لاعبا تشيلي الدوليان السابقان فيرناندو كورنيجو (36 سنة) وصانع الألعاب فرانشيسكو فالديز (66 سنة).
وقد غيّب الموت عام 2009 لاعبين دوليين سابقين آخرين منهم: صانع ألعاب منتخب ويلز الوطني أوبري باول (90 سنة) ولاعب خط الوسط البارع الإيطالي جيوزيبي تشيابيلا (85 سنة) ومهاجما فرنسا ليون غلوفاكي (81 سنة) ورينيه بيلار (76 سنة) ومدافع سويسرا ويلي كيرنِن (80 سنة) ومدافع يوغوسلافيا توميسلاف كرنكوفيتش (79 سنة) ولاعب خط الوسط البلغاري نيكولا كوفاتشيف (75 سنة) ولاعب خط الوسط السويسري نوربرت إسكمان (75 سنة) ومهاجم العراق عمو بابا (74 سنة) وحارس جمهورية أيرلندا ألان كيلي (72 سنة) ولاعب خط الوسط اليوناني ستيليوس سكيفوفيلاكاس (69 سنة) وصانع الألعاب المجري ساندور كاتونا (66 سنة) ومهاجم تشيكوسلوفاكيا فرانتيسِك فيسيلي (65 سنة)، الظهير الأيسر الإنجليزي بوبي تومسون (65 سنة) ومدافع النمسا بيتر بيرسيدس (61 سنة) ومهاجم إيران سفر إيرانباك (61 سنة) وحارس نيجيريا بيست أوجديجبي (55 سنة) ومدافع روسيا أندريه إيفانوف (42 سنة).
ولم تبك كرة القدم اللاعبين والمدربين فقط في 2009 ولكن كان هناك عدد من الوجوه المؤثرة في اللعبة. ومن بين هذه الوجوه روبرت لويس-دريفوس (63 سنة) أحد مالكي نادي مارسيليا الفرنسي والذي دعم كرة القدم العالمية بشكل كبير، بالإضافة إلى نائب رئيس FIFA الفخري ديفيد ويل (75 سنة)، والدكتور عبدالحليم محمد (99 سنة) والذي يعتبر وجهاً مهماً في كرة القدم الأفريقية بالإضافة إلى رئيس الإتحاد الأسباني السابق بابلو بورتا (85 سنة).
ومع قرب إسدال الستار على عام 2009، فارقنا لاعب نادي مانشستر يونايتد السابق ألبرت سكانلون عن 74 عاماً بعد نصف قرن من نجاته من كارثة ميونخ الجوية التي تحطمت فيها طائرة كانت تقلّ لاعبي النادي. وعن فقدان سكانلون، قال مدرب الشياطين الحمر الحالي أليكس فيرجيسون "إنها خسارة كبيرة."
ولكن سكانلون ليس الشخصية الكروية الوحيدة التي غيبها الموت هذا العام. فإلى جانب جميع من سبق ذكرهم، فإن هناك كثيراً من الأسماء في عالم المستديرة الساحرة الذين غادرونا خلال الأشهر الإثني عشر الماضية. نقول إلى هؤلاء جميعاً ومن كل قلبنا: شكراً لكم على كل ما قدمتموه وساهمتم في إنجازه. ربما رحلتم عن عالمنا... ولكنكم باقون في الذاكرة والقلب.




Cairo Time




0 التعليقات:
إرسال تعليق
زوارنا الكرام ,,,
برجاء عرض أرآئكم على الأخبار المنشورة حتى نتواصل بشكل أفضل.
و شرف لنا أن تحتوى هذه المدونة المتواضعة على تعليقاتكم.